(اسباب نجاح الثورة الإسلامية )
بعد انتصار الثورة أدرك العالم أنها ثورة كلمة بكل المقاييس، وكتب عنها الكثيرون بالتحليل والعمل على الخروج بتفسير لما حدث، ولو استعرضنا ما كتب عن الثورة لاحتجنا لمجلدات، ونكتفي ببعض ذلك:
قال الكاتب أنيس منصور في جريدة الأهرام المصرية: لقد ظنَّ الناس أن شاه إيران يريد أن يجر شعبه إلى القرن العشرين، وأنَّ الإمام الخميني “قدس سره” يريد أن يجر إيران إلى القرن الأول للهجرة، وكأن الإسلام دين تخلّف أو أنَّه يدعو إلى التخلّف، لكنّ ثورة إيران نبّهت المسلمين وغيرهم إلى أن الدين الإسلامي ما يزال حيّاً شاب…. ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك في الحياة الدينية… ولكن من المؤكّد أنَّ هناك شيئا واحدا صحيحا، أن الإسلام أكثر حيوية من المسلمين، وأقدر على التحديات، وعلى إصلاح الفساد، وأن التطبيق المحكم للإسلام قادر على حلّ مشاكل الناس،(1)
وقال الكاتب الصحفي الألماني د. بيتر شول في كتابه «إن الله مع الصابرين»: ربما كانت هذه الثورة هي واحدة من أهم الثورات في العالم ومن أكثر الثورات تميزاً، بل ربما متفردة عن الثورت الأخرى، وذلك أنها تستمدّ قوتها من دافعها، وهو الإيمان الذي يشكّل أغرب رأس حربة على مدى التاريخ(2)،
وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة جداً في أسباب نجاح الثورة وهي(3):
أن جميع الأساليب التي استخدمت ضد الثورات والانتفاضات والتي أدت إلى قمعها أخيرا، وإلى السيطرة على الوضع العامّ، قد جرّبت كلّها ضدّ هذا التحرك الجماهيري لكنها باءت بالفشل ومن هذه الأساليب:

سياسة القمع والقتل العشوائي، وكذلك الأساليب الإصلاحية في تغيير الحكومة، وإعطاء الفرصة لبعض الأجنحة المعارضة التي تعترف بشرعية السلطة الحاكمة، وتمكينها من الوصول إلي الحكم، ورغم كل هذا فإن الذي حدث في إيران هو العكس تماما، فكلّما كان يزداد ضغط السلطة الحاكمة وقمعها للجماهير كانت تزداد مسيرة الثورة صلابة، وتتسع قاعدتها الجماهيرية، مما أصاب عملاء السلطة بالاضطراب والخوف أكثر فأكثر، وكأن ما حدث هو حلول روح جديد في جسد المجتمع الإيراني، وبدأت تسري هذه الروح في كلّ مكان، وتعمّ كلّ طبقات الشعب شيئا فشيئا، حتى وصلت إلى أقصى قرية في إيران، بل وترك أثره حتى الى أعضاء العائلة الحاكمة والمقربين منها.
إن هذا الطوفان لم يستطيع أي شيء أن يقف أمامه، أو أن يقاومه ويواجه حركته، وأنَّ هذا الروح (روح الثورة) قد حيّر بسرعته وقوته الجميع. وإذا كنا قد رأينا أنّ هناك ظواهر متشابهة في بعض الثورات إلا أنَّ الذي حدث في إيران يختلف كثيرا عن تلك الثورات، إنها حالة معنوية اندمجت مع روح الثورة، وأحس بها جميع الشعب.(4)
وكان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو قد أطلق على ذلك اسم (ثورة الروح في عالم بلا روح)(5)، وعبّر عن الثورة بأنها أول ثورة جديدة في العالم، وأنها فريدة من نوعها.
وفي الواقع فإن هذا التحرك الجماهيري كان مظهرا للجهود التي بذلت من أجل الحصول على جواب معنوي للظواهر المنحطة التي كان النظام المتسلّط يروّج لها، والتي أضحت بعد ذلك ناقوس خطر عليه.
م.علي سلمان